¤ الرد على الشبهات تفصيلا:
=الشبهة الحادية عشرة:
* قولهم: أن في قصة إبراهيم عليه السلام لما أُلقِي في النار إعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، دليل على أنه لو كانت الإستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم؟
* الجواب:
- أولًا: قال العجلوني في -كشف الخفاء: 1136: حسبي من سؤالي علمه بحالي ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء بلفظ: رُوِي عن كعب الأحبار أن إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: «لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك» ثم رموا به في المنجنيق إلى النار فاستقبله جبريل، فقال: «يا إبراهيم ألك حاجة؟» قال: «أما إليك فلا»، قال جبريل: «فسَلْ ربك»، فقال إبراهيم: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» انتهى، وذكر البغوي في تفسير {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 68]، أن إبراهيم عليه السلام قال: حسبي الله ونعم الوكيل، حين قال له خازن المياه لما أراد النمرود إلقاؤه في النار: إن أردتَ أخمدتُ النار، وأتاه خازن الرياح فقال له: إن شئتَ طيرتُ النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل، انتهى.
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1 / 74: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» لا أصل له، أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرًا لضعفه فقال: رُوِيَ عن كعب الأحبار أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما رموا به في المنجنيق إلى النار إستقبله جبريل...
وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنَّف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال: سؤالك منه -يعني الله تعالى- اتهامٌ له، وهذه ضلالة كبري! فهل كان الأنبياء -صلوات الله عليهم- متَّهِمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى. وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام، فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين؟! ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في -تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبارالشنيعة الموضوعة- وقال 1 / 250: قال ابن تيمية موضوع، انتهى كلام الألباني -بتصرف.
والذي في البخاري: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»
- ثانيًا: على فرض ثبوت الأثر -وقد تبين لك أنه من الإسرائيليات- فإن جبريل عليه السلام إنما عرض على إبراهيم عليه السلام أمرًا ممكنًا يمكن أن يقوم به، فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة، فإن جبريل كما وصفه الله تعالى: {شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5]، فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وماحولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.
وهذا يشبه لو أن رجلًا غنيًا أتي إلى فقير فقال له: هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يُعَدُّ هذا شركًا لو قال: نعم لي حاجة أقرضني، أو هِبْني لم يكن مشركًا.
=الشبهة الثانية عشرة:
* قولهم: قال بعض أهل البدع الذين يَدْعُون أهل القبور: كيف تقولون: الميت لا ينفع وقد نفعنا موسى عليه السلام، حيث كان السبب في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس؟
* الجواب:
الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون نداء من ناداهم من الناس، ولا يستجيبون دعاء من دعاهم، ولا يتكلمون مع الأحياء من البشر ولو كانوا أنبياء، بل انقطع عملهم بموتهم، لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]، وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ*وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به» رواه مسلم.
ويستثنى من هذا الأصل ما ثبت بدليل صحيح، كسماع أهل القليب من الكفار كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب غزوة بدر، وكصلاته بالأنبياء ليلة الإسراء، وحديثه مع الأنبياء عليهم السلام في السماوات حينما عُرج به إليها، ومن ذلك نصح موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام أن يسأل الله التخفيف مما افترضه عليه وعلى أمته من الصلوات، فراجَعَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ربه في ذلك حتى صارت خمس صلوات في كل يوم وليلة، وهذا من المعجزات وخوارق العادات، فيقتصر فيه على ما ورد، ولا يقاس عليه غيره مما هو داخل في عموم الأصل، لأن بقاءه في الأصل أقوى من خروجه عنه بالقياس على خوارق العادات، علمًا بأن القياس على المستثنيات من الأصول ممنوع خاصة إذا لم تعلم العلة، والعلة في هذه المسألة غير معروفة، لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بالتوقيف من الشرع، ولم يثبت فيها توقيف فيما نعلم، فوجب الوقوف بها مع الأصل.
الكاتب: شحاتة صقر.
المصدر: موقع دعوة الانبياء.